خبرة القبر و طوق الوصال
الحمد لله .. فى التاسع و العشرين من يوليو توفيت الثائره , أسلمت الروح ليلا , و كنت أول من واجه تلك الحقيقه .. فكنت كما تمنت طوال حياتها من أغمض عينيها
أعلم كمصرى جدا .. و كمسلم مؤمن بالله بعمق أن الموت هو الحقيقه الوحيده المؤكده فى هذا الكون .. هو لحظة مواجهة ما سمعنا و تعلمنا عنه طوال عمرنا بشكل عملى .. لحظه نواجه فيها حقيقة أننا فقط .. بشر
الموت هو لحظة كشف و مواجهه لو أدركنا عمقها لفزعنا من ضئالتنا .. المهم .. توفيت الثائره , و لا مجال هنا لسرد ما اعتبرته معجزات متتاليه فى ليله واحده تم بها تنفيذ كل وصاياها رحمة الله عليها .. لكن كمثال .. قبل وفاتها رحمة الله عليها عانيت من مشكله صحيه عنيفه فى فقرات ظهرى منعتنى من الحركه أو حتى الجلوس لنحو أسبوع .. طوال تلك الفتره كان يداهمنى هاجس غريب .. ماذا لو توفيت أمى و أنا فى هذه الحاله من العجز الصحى ؟ كيف سأنفذ و صيتها و أمنيتها التى كانت تدعو بها دوما ( يارب ماحدش يشيلنى غيرك ) كيف سأستطيع حملها أن كنت لا أستطيع الوقوف معتدلا وحدى ؟ .. سبحان الله .. اشفى من مرضى تماما قبل وفاتها بيومين .. بل أخضع لأول جلسة علاج طبيعى قبل وفاتها بيوم .. و لأستطيع الوقوف و الحركه و استخدام ظهرى بشكل طبيعى قبل أن تتوفى بأقل من يوم .. و يكون لها ما أرادت .. و أكون أنا من يحملها بيده و لا أحد سواى و بدون مساعده
أيضا أوصت الثائره أن تدفن فى مقابر أسرتها فى القاهره .. مقابر الأمير كتخدا الأزميرى .. تلك المقابر هى جزء من وقف الأمير .. ولا نعلم أحياء من عائلتها فى مصر حاليا سوى أخوها السبعينى .. الفاقد بصره تقريبا .. تدور الأتصالات المحمومه نبحث عمن يعرف مكان تلك المقبره حاليا ؟ أو من له صلاحيه فى أعطاء الأذن بدفنها .. لا نجد أحد .. و أوطن نفسى لمخالفة وصيتها و مواراتها الثرى فى مدافن عائلتى فى شمال البلاد .. ثم .. و قبيل الفجر بقليل أجد أختى تقول أنها ستنزل ألى الشارع و تتوجه لمنطقة المقابر و تبحث عن مقبرة الأمير .. أنبهها .. أن عليها العوده قبل الثامنه صباحا بخبر يقين ... فأما العثور على المقبره و أتمام الترتيبات بالكامل أو .. لن أنتظر على تكريم أمى أكثر من ذلك .. فى السادسه صباحا تهاتفنى أختى بأنها عثرت على المكان .. فى السادسه و الربع تهاتفنى بأن أحد ابناء أخوالى متواجد فى مصر الآن و له الصلاحيه القانونيه لأنهاء الأجراءات .. فى السابعه أتوجه بنفسى للمكان للتأكد مما قالته أختى .. لأجد ماقالته صحيحا .. و تتحقق ثانى أمنيات الراحله المستحيله . فى طرفة عين
أثناء الصلاه عليها أعرف ان اليوم كان مناسبه دينيه و أن أغلب المصليين كانوا صائمين .. بل يشاركها فى موقفها فى المسجد جثمانين آخرين .. و أفاجأ بامتلاء مسجد النور بالعباسيه بالمصلين عن آخره على غير العاده فى صلاة ظهر فى يوم غير الجمعه .. لأعرف لاحقا أن من جاورها فى الصلاه كان الشيخ المطعنى الذى توفى فى نفس اليوم .. و أن المصلين الذين تجاوز عددهم الألفي مصلى هم من الأزهريين المعتدلين تلاميذ الشيخ المطعنى .. و ياسبحان الله
عند المقبره .. و كفلاح جدا , و تحقيقا لأمنيتها ووصيتها و دعائها .. أصبح المكلف وحدى بمواراتها التراب , أنزل المقبره لأول مره فى حياتى .. أولا مع ابن عم لى يراجع معى مايجب على فعله .. نتأكد من كل الأستعدادات .. ثم أخرج ..لأعود وحدى هابطا بجسدها المسجى .. لحظات قصيره بمقياس الوقت .. لكنه اتسعت فى ذهنى لأراجع شريط حياه كامله عامره .. هى من سلمتنى للحياه .. و ها أنا ذا اسلمها للتراب .. غطتنى بفرحه بأول ثوب أرتديه .. و ها أنا أسجيها بحزن مؤلم فى آخر أثوابها .. كم كانت رحمها الله تهتم بمظهرى و أنا صغير .. كم أزالت عن جسدى بسعاده بالغه أتربة اللعب و الشقاوه .. و ها أناذا .. أهيل عليها ترابا .. يا الله .. كم يبلغ الفارق بينى و بينها فى العطاء ؟
لحظات فى القبر .. كانت كافيه لمراجعة أدراكى كله لمعنى الكون .. متأكد أنى فى النهايه خرجت بوعى و أدراك مختلف تماما عما دخلت به للقبر .. الدنيا أوضح بكثير .. الموازين المختله كلها اعتدلت .. تقييمى لأغلب الأشياء .. اختلف تماما .. ألى وضوح صارم
أجدنى أفكر لحظتها كمصرى قديم .. من قبل حتى الديانات السماويه المعروفه .. المصرى يعلم تماما أن الموت هو فقط نهاية الحياه الأولى لكنه البدايه الحقيقه للحياه فى دار الحق .. و أتذكر أحاديثها عن مصر .. عن أجدادنا .. عن تأكيد الكتب السماويه لمبادىء الأخلاق التى كانت قبل الكتب بآلاف السنين تحكم حياة المصريين .. و أترحم عليها .. و ابكى كما لم أبك قط
تمالكت نفسى كوصيتها .. فلم ابك بعد الخروج من القبر .. بل و كتربيتها الصارمه .. صار جل اهتمامى و مسؤليتى هما أختى المنهاره تماما .. و ابى الثمانينى الذى قال بنفسه لحظتها ( الآن أنا يتيم .. مات أبى و أمى و لم اشعر بمشكله .. لكن الأن ..أنا يتيم ) أتمالك نفسى ألى أقصى درجه .. يشاركنى فى المسؤليه الولدين من أحفادها .. أكرم ابنى و ميسره أبن اختى .. اصريت أن يشهدا كل شىء رغم دموعهما .. ليتعلما ماذا يفعلا بجثمانى حين ألحق بها .. و أنصرف لتحمل مسؤلية تلك الأسره الصغيره و العائله الكبيره .. لأنهى مراسم تكريمها رحمها الله
أيام صعبه مرت بسرعه .. لكن أهم ما تقرر هو .. أن يوم الجمعه من كل أسبوع هو يوم مقدس لأحفاد الراحله .. نجتمع فيه فى بيتها .. فى شبه احتفال أسبوعى .. نتواصل .. نصل أرحامنا .. نترحم عليها .. نحيا فى بيتها كأنها معنا .. و ايضا .. نذكر أبى الذى يعانى الآن من اليتم بأنه .. ليس وحيدا .. و أننا معه دوما
أيام صعبه .. حتى الجمعه الماضيه .. حيث انتهى الأحتفال الأسبوعى الثانى الذى قررناه .. و أجدنى منفردا بحبيبتى الوحيده .. أميرة حياتى .. أبنتى نور .. و من الساعه السابعه مساء ألى الحادية عشر .. نتحدث .. نتواصل .. نمشى فى شوارع مصر الجديده من روكسى و حتى ميدان الحجاز حيث أوصلتها ألى بيت أمها .. لأكتشف فى ابنتى الحبيبه لمحه حنان .. ظننت أنى سافتقدها بعد وفاة أمى .. نور حبيبتى تستمع لى بشغف و ذكاء و حضور ذهنى بارع .. تكمل جملتى أذا ماتوقفت عن السرد بحثا عن مفردات .. و أكمل مفرداتها اذا تأخرت فى وصل جملتها .. حبيبتى بوصالها تبحر فى أعماق نفسى .. لأقول لها ما قد لا أقوله لنفسى يوما .. و هى بحنان أم حقيقيه .. و ذكاء أنثى متفوقه .. لا تواسى فقط .. بل تعطى من قلبها دفعات من طاقة الحياه .. كأنها أحدى ربات القدماء .. تبعث الحياه فى الرماد .. فتشعل طاقة البشر .. ليعيشوا
أتحدث مع نور .. بدءا من تاريخ الراحله , الذى يقودنا لتاريخ بلادى . ثم ألى الموقف الحالى .. نشكو لبعضنا ما نراه فى المجتمع من أمراض و زيف و غزو حقيقى من قيم البداوه .. نقارن ما كان ايام الثائره من حياه حقيقيه , كرامه , حضاره , بعث للروح .. بما هو كائن الآن من انهيار و تدهور .. تتشابك ايدينا كأنها هى الصغيره من يساندنى .. يعضدنى .. يدفعنى لمواصلة الحياه و الخروج من الحزن
ينتهى اليوم بأشراق رغم أن الوقت كان ليلا .. ففقدى لأمى الحبيبه عوضته حبيبتى نور .. بحنان , و فهم , ووصال
أعود للكتابه و العمل ... و بعد القبر .. و خبرته البارعه فى أدراكى .. أعود للحياه
31 Comments:
اـبي العزيز
رحم الله جدتي الحبيبة و التي للأسف لم تتح لي الفرصة لأعرفها كما عرفتا أنت و لكن من حديثك عنها..فهي بالفعل عظيمة,و قد تركت أثرا في نفوسنا جميعا حتي بعد وفاتها و كل شيء علمته لك قد علمته لي اذن فروحها حاضرة بيننا الأن..رحمها الله
أما بالنسبة الي فكل شيء قد تعتبره ميزة في فهو بفضلك..فقد علمتني كيف أفكر..كيف أنقد..كيف أحلم..كيف أحيا و أحب هذه الحياة..
و متعتي بأحاديثنا الطويلة لا توصف فهي تضيف لي الكثير و
تحياتي
لا شك ان تجربة الموت تحدث تحولا عميقا في نظرتنا الى الحياة
رحم اللة الوالدة والبقية في حياتك
جميلة نور
جميل ما كتبتة عنها
وجميلة علاقتكما ببعض
ربنا يخليكو لبعض
تحيات
إنا لله وإنا إليه راجعون
ربنا يرحمها ويغفر لها ذنوبها ويسكنها فسيح جناته
البقاء لله
لله ما أعطى و له ما أخذ
عظّم الله أجركم و رحم الثائره و غفر لها و أدخلها جنّته ..
My condolences. May Allah have mercy on your mother and all our dead. May Allah grant you and your family patiance.
Adel Farrag from Chicago.
Could you send your phone #, I'd like to talk to you in person. My email address is afarc@allstate.com
thanks,
Adel
البقاء لله
إنا لله وإنا إليه راجعون
رحمها الله رحمة واسعة
وأقر الله عينك بنور .. كلماتك عنها وكلماتها هنا تخبرني أنك لن تعاني يتما يا صديقي
.
.
لا تدع نفسك لتذكر تفاصيل اللحظات الأخيرة .. قاوم ذلك .. بكل قوتك
جبيبتى و قرة عينى نور
أشكرك لتعليقك و اهتمامك بالقراءه من اساسه .. نعم يا ابنتى الحبيبه .. أنت الآن قرة عينى .. تذكرينى بأغنيه الفها الراحل صلاح جاهين و غناها محمد منير .. بعنوان يا بنت يا أم المريله الكحلى .. و فيها مقطع يقول
راحوا الصبايا و الصبايا جم
أحمل مافيهم مين غير بنتى
و اجمل ما فيكى يا بنتى أن انتى
فى عينيكى لمحه من حنان الأم
دمت لى
رفيقة القلب و العقل عشتار
أشكرك .. ليس فقط للتعليق و لكن لوجودك بجوارى دوما
و نعم يا عمه عشتار .. فأنت لنور .. العمه التى تمنتها و تمنيتها لها
دمت لنا
عدى النهار
أشكرك بشده ..
زمان الوصل
أشكرك و أعتذر عن عدم تعليقى لفتره طويله على مدونتك الراقيه .. لكن بأمر الله أزورك قريبا جدا
الحلم الجميل بثينه
أشكرك .. مازلت سيدتى توحين بأروع الأفكار كأن .. فعلا .. سأعمل بنصيحتك
لا تختفى مره أخرى
ليس هناك ما يستدعى الاعتذار ..
ربّما يكون أجمل ما يميّز علاقات التدوين قدر الحريّه الذى تتيحه ..
فتعليقى هنا على تدويناتك لا يعنى بالضروره أن تكون زياره بزياره رغم أن زيارتك مدوّنتى تسعدنى طبعا .. أترك حريّة التعليق للزائرين حين يكون لا مفرّ لديهم من التعليق .. ف ماتشغلش بالك ..
البقاء لله
صمودك و استمرار عطاؤك هو امتداد لعطائها رحمها الله
تحياتي
سمباتيك
Dear Adel Farag
thank you so much for your kind feelings , my number was sent to you by mail , waiting for your contact whenever you like
زمان الوصل مره أخرى
كرم أخلاقك فاق توقعاتى .. فعلا .. بهرتينى
السيده سمباتيك
الشكر لمواساتك و كلماتك الأيجابيه لا يكفى , و يحرجنى تقصيرى فى متابعة مدونتك .. أعترف بتقصيرى .. و أعجز عن أيفائك الشكر الذى تستحقين
ادعوك لزيارة مدونتى المتواضعة
www.eyuon.blogspot.com
وشكرا
لا شكر على واجب
:)
رحم الله الفقيدة الغالية وأسكنها فسيح جنانه
مررت بالتجربة نفسها عندما توفيت أمي، وما كتبته أعاد إلى ذاكرتي تفاصيل تلك اللحظات الصعبة
غفر الله لنا جميعاً
هذه هى الحياه
صبرك وفلسفتك للموت وحزنك السامى الجميل يجعلنى أقول انك خير خلف لخير سلف
البقاء لله
تحياتى
رحمها الله وغفر لها والصبر لكم أحباءها
البقية فى حياتك
وإنا لله وإنا إليه راجعون
طهقانه مره أخرى
كلامك أثبات لحسن ظنى بك .. أشكرك رغم المعارضه
الفاضل ياسر ثايت
أشكرك و أعتذر عن تذكيرك بلحظات مؤلمه .. لكن لعل الذكرى تكون تأكيدا لدروس تعلمناها من تلك اللحظات
الفاضل أبو أحمد
أشكرك لمجاملتك الراقيه , وزيارتك شرفتنى
السكندريه الراقيه MMM
أشكرك مرتين , مره لرسالتك و مره لمقطوعة سعاد ماسى الجميله على مدونتك
لا شكر على واجب سيدى
البقاء لله يا ايهاب و عظم الله أجرك.. بس الناهرده قريت التدوينة ده .. ربنا يكرمك في نور و اكرمو يخليهم ليك.
ريكا
اعتذر لتاخري
البقاء لله و ربنا يرحمها ان شاء الله
ربنا يصبرك
تحياتي
اول زيارة لى وخلال تصفحى لمدونتك اتأثرت بكلماتك فى وداع والدتك وقرأت ايضا بوست الثأئرة تحتضر واحترمت هذه السيدة كثيرا غفر الله لها واسكنها فسيح جناته
حفصه
أشكرك لمواساتك وزيارتك
shasha
أشكرك و أتمنى أن أتشرف بمزيد من تعليقاتك
Post a Comment
<< Home