تسجيل موقف .. فقط
تفتقر مصر اليوم الى ( البنيه العليا ) للمجتمع
و البنيه العليا مقصود بها : مجموعة المبادىء و المذاهب و الأعراف و الأخلاقيات التى ينتج عنها حزمة مواثيق و تشريعات ينبنى (بها ) و من (خلالها ) نظام العلاقات و الحركه الأجتماعيه و ينضبط بها اسلوب و طريقة و هدف التعامل مع البنيه التحتيه و الموارد الطبيعيه و عناصر الأنتاج فى المجتمع, و ( عليها ) بتأسس العقد الأجتماعى بين شركاء الوطن من حاكم ( وكيل الشعب ) و مراقبين مشرعين ( نواب الشعب ) و شعب فاعل متفاعل مالك لكل اصول البلاد
تأسيس ( البنيه العليا ) للمجتمع هو الهدف .. و البدايه المقترحه من واقع التخصص/ الحاجه الملحه / الحتميه التاريخيه .. هى البنيه العليا لأقتصاد البلاد و حضارة العمل و قياس الأداء و سبل الترفى ( المالى و الأجتماعى ) للافراد و الجماعات و ممارسة النشاط و الكسب و عمارة الأرض
فحتى وقت قريب كانت ( البنيه العليا ) للمجتمع هى ما يفرضه ( الحاكم ) او مجموعته الحاكمه على الشعب وفقا لقناعه خاصه و الأخطر أنها قناعه ( منفرده ) .. و يكون أجبار الشعب على المضى فى سياق المذهب المختار لهم (ترغيبا او ترهيبا ) هو الشغل الشاغل لأجهزة الحكم و الأداره المصريه .. و حين قرر الحاكم بجرة قلم تغيير البنيه العليا للأقتصاد المصرى ( من اشتراكيه الى انفتاح ) ما كان من الأغلبيه سوى الموافقه و التهليل و المسارعه مهرولين ل( النهل ) من عوائد البنيه العليا الجديده و ( النهب ) من أنقاض البنيه العليا القديمه .. نادمين على ما كان منهم من اتباع سابق ابان الزامهم ( و ليس التزامهم ) بالمذاهب القديمه
جائت البنيه العليا الجديده فى الحقيقه فى صورة ( تحرر) من أى قواعد , و خواء من دور الدوله التنظيمى فى حياة المصريين , حين اختار الحاكم حالة الدوله الرخوه أراديا بحجة الأنفتاح على العالم .. و بالتالى فهى لم تكن بنيه عليا بالمعنى المفهوم .. فلا التزام اجتماعى و لا قومى و لا حتى وطنى .. بل صارت ( الرعويه الوظيفيه ) هى النسق الأخلاقى السائد .. فالبنيه العليا وقتها سمحت للمجتمع بالتحرك غريزيا ببدائيه منفلته .. مرجعيتها دوما نماذج مختاره من الغير و ليس من مصر .. ففرضت ( الرعويه ) على تابعيها البحث الدائم عن الماء و الكلأ .. بلا اى ارتباط بأرض او حدود .. و تجميع السطوه و تراكمها أتقاء لتجبر الغير تاره .. او للتجبرعلى الغير تاره اخرى ..
فبلا اتفاق معلن صار الوطن حفنة تراب لا حدود مقدسه .. و صار العلم مجرد الوان مبهجه لتشجيع المباريات بدلا من رمز تراق عنده الدماء فى سبيل المجد و الشرف .. و صار المجتمع مجال للكسب لا بوتقه تراحم و تكامل .. و تم اختصار الحضاره فى ماركات السلع المقتناه بدلا من كتابة التاريخ بالعمل و العلم
فى كل هذا الحراك كان المجتمع ( متحررا ) نظريا .. لكنه فى حقيقة الأمر كان ( منساقا ) بالمحفزات الغريزيه البدائيه .. لذا لم يكن المجتمع ( فاعلا ) لكن كان ( مفعولا به ) دوما .. مجهلا مغيبا حتى صار مجتمع قصير النظر قاصر النظره
و مع استحالة تحقيق الترقى الأجتماعى و المالى بالعلم و العمل فى ظل سيطرة مزيج لعين ناتج من تزاوج المال و السلطه .. تحولت المغريات الى استفزازات , و كان الخواء فى المبادىء فصارت كراهية الشعب لنسق الحياه حيث يأس الطامحين من الترقى الا بالاقتراب المهين من السلطه اوهجر الأرض باى ثمن و باى مخاطره ..
و كان الغضب .. و انفجرت شرارة الحراك / الثوره فى 25 يناير 2011.. ثارالشعب رافضا ما هو فيه .. جاهلا يما يريد ان يكون فيه ..كان االشعب يعلم جيدا ما (لا يريد ) لكنه لا يعلم مطلقا ( ماذا يريد ) .. يعانى من تصحر الفكر و خواء المنهج .. معزول عن اعمال العقل لعقود فلا يملك رصدا و لا مقارنه ولا اختبار
انكسر الحجر الجاثم على الصدور و انفلت شعب غاضب مستفز يائس محروم .. مهان بقانون طوارىءاستمر لثلاث عقود .. فجاء الحراك جارفا متسارعا لكن بلا خارطه و لا هدف محدد و لا مرجعيات ولا حتى نظريات متصارعه تثرى الوجدان بالتنوير .. انطلق الحراك بلا قدره على العقل او النقد او الجدليه او التدبر فكانت الكارثه
و تحت ضغط الكارثه و الخطر الداهم من الوقوع تحت قهر اكثر ظلاما مما ثار عليه الشعب .. تكرر الحراك / الثوره فى 30 يونيو 2013 .. و ايضا بلا مرجعيه ولا مذهب ولا توجه محدد لما يجب ان يكون
ما تطور فى 2013 كان ان تلمس الشعب ملمح واحد فقط من ملامح البنيه العليا للدوله المصريه . و هو ملمح أن ( الجيش من الشعب و للشعب ) .. و بتلقائيه غريزيه ( لا باختيار حر ) ارتد الشعب للأحتماء ببقايا الدوله المصريه متمثله فى الجيش و قائده .. بلا فرز نقدى او اختيار حقيقى بين بدائل .. فكان تكليف قائد الجيش بقيادة البلاد
الرئيس نفسه جاء من بنيه عليا نبيلة الخلق ثابتة المبادىء واضحة المنهج .. لكنها بنيه عليا لم تتعرض ل(المشكله الاقتصاديه ) من قبل .. فحضارة المؤسسه العسكريه هى حضارة وفره لا ندره لذا فهى بعيده كل البعد عن معضلة ندرة الموارد مقابل لا محدودية الأحتياجات , لذا جاء أداء الرئيس فيما يتعلق بالمذهب الأقتصادى و بنيته العليا بأسلوب بقاء الحال كما هو عليه و علاج ما يطرأ من مشاكل دون ( تأصيل ) لجذور المشكله . و مع الأمراض المتوارثه فى طبقة التكنوقراط و البيروقراطيه المصريه عز وجود من يشير على الرئيس بمشروعات أو افكار تعالج جذور الخلل فى البنيه العليا لأقتصاد البلاد .. بينما المجتمع المفتقرلأساليب الفكر النقدى و الجدليه ومناهجهم بدأ فى اجترار ذات الشعور برفض ما لا يريد .. مع الجهل بما يريد بديلا عن واقعه
المعضله ستنفجر/ تظهر حين يضطر الشعب لممارسة واجب / حق الأختيار بصفه دوريه سواء فى انتخابات الرئاسه او البرلمان .. و الحقيقه ان الأختيار فى غياب بنيه عليا سيكون مجرد اختيار بالاستبعاد او حتى العقاب .. لا اكثر ولا اقل
الرئيس نفسه و مع خلل بيئة التكنوقراطيه المصريه ( نتيجة غياب البنيه العليا لعقود ) لجأ لأختيارات بالاستبعاد فى التعديلات الوزاريه و تعيين المناصب القياديه .. فلا توجد بنيه عليا ولا مرجعيه مذهبيه بالتالى لا مقاييس و لا معايير محدده للأختيار .. لا توجد رؤيه / هدف / استراتيجيه يتم بناء عليها مناقشة المرشحين للمناصب العليا . . الحقيقه تفرض نفسها , ان الرئيس نفسه يحتاج لتشكيل بنيه عليا للنشاط الاقتصادى فى مصر حيث لا يكفى ابدا نبل اخلاقه و سمو شخصيته
قادم اخراكثر رعبا ..هو المورد الريعى الهائل المنتظر تفجره بالغاز و النفط المكتشف حديثا .. مورد غزير صاخب . سبق و ان اغرق الخليج الخاوى من البنيه العليا فى حالات جنوح مجتمعى ارتدت بهم الى بدائيه و تطرف و تبعيه مهينه .. بلا اى بناء حضارى سوى اقتناء اغلى ماركات البضائع المستهلكه
فهل سيسقط المجتمع المصرى فى بداوه ريعيه بغزارة المورد الطبيعى ؟ هل سيترسخ المرض الهولندى فى مصر كما حدث فى الخليج و تنتهى الى الأبد حضارة العلم و العمل ؟؟
مخاطر داهمه يأتى جلها من غياب البنيه العليا للمجتمع المصرى
و البرلمان الحالى ( نواب الشعب ) تم انتخابهم بلا اختيارايضا .. موردهم الحضارى لا يرقى حتى للتفكير فى مشكله حاليه ناهيك عن وضع الخطوط العريضه للمشاكل الموروثه ..
-----------------
مقالتى اعلاه هى لطرح ما أظنه عصب المشكله .. و اما اقتراحات الحلول فمرحبا بها و أهلا وسهلا .. علنا نتلمس سبيلا للحل فى توقيت مناسب قبل ان يقع المصريون مره اخرى فى ( اختبار) لا يحمل ( اختيارا ) حرا
و الله المستعان