طاقات النور ..و ظلام الجحود
ألأمومه أداء تلقائى لا أراددى تماما .. على هذا خلق الله الأم .. أحيانا مايتسائل الفرد العادى عن مدى قوة احتمال الأم الطبيعيه لمشاق ممارسة أمومتها .. لكن بالتسليم بأن الأمومه هى أداء لا أرادى .. يكون السؤال غير منطقى .. فالحقيقه أن الأم الطبيعيه لو منعت عن مشاق أمومتها ( من باب الرفق بها مثلا أو لأى سبب من الأسباب ) فهى ببساطه تتألم ..نعم تتألم لو امتنعت عنها مشقة الأداء الأمومى .. و هكذا .. تدور دائرة الأمهات من عهد حواء ألى ماشاء الله ..
عليه فالأمومه طاقه يخلقها الله مع المرأه , سر من اسرار الخلق و مصدر اندهاش للمخلوقات , و طاقة الأمومه كأى طاقه .. نقصانها يخل بالتوازن.. و فائضها يؤدى لاتفجار الأداء .. هنا يكون انفجار الأداء الأمومى فى صورة أغداق الأمومه على الآخرين سواء كانوا أبناء تلك الأم الفائضه بالطاقه أو غيرهم من المحيطين بها
حنان صديقتى العتيقه و جارتى منذ الأزل أعتبرها نموذج لتلك الأمومه الفائضه , فولديها الحبيبين رغم ماتسكبه من أمومتها لديهما , لا يكفيان لاستيعاب فائض طاقتها الأموميه , بالتالى دوما ماتبحث حنان عن المزيد من البشر ( تحيدا أصدقائها ) لتسكب عليهم أمومتها .. مستريحه بالتخلص من هذا الفائض فى الطاقه , و مستمتعه بأسعاد الآخرين بأدائها .. أذكر منذ بضع سنوات أن اصيبت صديقه مشتركه بكسر فى قدمها .. الصديقه المصابه كانت تسكن فى الدور الثالث من مبنى .. بينما حنان كانت تسكن فى الدور الأول .. فما كان من حنان ألا اأن استضافت الصديقه المكسوره لمدة شهرين .. تولت فيهم خدمتها بالكامل .. أى صارت حنان تمارس أموتها على أولادها فضلا عن صديقه بالغه مكسوره .. بالأضافه طبعا للأصدقاء المشتركين الذين كانوا يداوموا على زيارة المكسوره فى بيت حنان .. كنت أتعجب وقتها من السعاده البالغه الباديه على حنان حين ترى جمع من الناس يعج بهم صالون بيتها فى هذا الوقت .. و هى قائمه على خدمة الجميع .. فتطعم هؤلاء .. و تشرف على مذاكرة ولديها و تواظب على علاج المصابه وخدمتها .. بل و تجد فى كيانها فائض للمشاركه فى حل مشكلات الآخرين من الصديقات المعتادات البكاء و النحيب بسبب أو بدون سبب فى بعض الأوقات .. أشعر بحنان و كيانها يستنزف فيما تفعله .. لكنى ( و بدهشه شديده ) أشعر بسعادتها البالغه و راحتها من هذا الجهد الذى أتخيله يفوق طاقة البشر الطبيعيين
حنان أيضا من عاداتها الملازمه للأمومه .. الأستمتاع بأطعام الناس .. ليس فقط أعداد الطعام و صناعة الطبخات المبهره .. لكن .. تستمتع بشده بمشاهدة الناس تأكل من صنع يديها ..و لحسن الحظ ولرحمة الله على البشريه . فطبيخ حنان ..رائع
ورائع هنا لا تعنى أنه فى روعة طبيخى مثلا .. حاشى لله .. لكن حنان تعتبر أعداد الطعام هوايتها الفنيه التى تستمتع بأدائها ..و تبدع فى تطويرها .. بل و تتجول بين مدارسها الفنيه المتعدده
مؤخرا , شغلت حنان منصب مسؤل فى أحدى المؤسسات الفندقيه .. فما كان منها منذ أول يوم عمل ألا أن قامت بأسر الشيف ( الطباخ ) و التحفظ عليه كرهينه تقريبا ..و استجوابه بصفه أسبوعيه حول آخر وصفات الطعام الفرنسى الذى يتخصص فيه , يراوغ الشف الأسير أحيانا فلا يفصح عن كل أسرار أكل عيشه ..و ينهار أحيانا أخرى فيفصح أو يلمح ..النتيجه البارعه بدأت فى الظهور .. فكل أسبوع تقريبا يصلنا تليفونات من ..حنان ... ببساطه شديده ..: ماتتعشوش النهارده .. تجولى على الساعه سبعه
فى الموعد يتوافد الأصدقاء مترقبين للتحفه الجديده التى ستتحفنا بها تلك الأم الطبيعيه
الأسبوع الماضى وصلنى الهاتف المعتاد مع اضافة .. تجيلى بدرى ساعه و تجيب معاك برتقان
حاضر
اصل فى موعدى متخيلا أن حنان تنوى أعداد عصير برتقال بعد العشاء مثلا .. و لأنى وصلت مبكرا , ولأنى و ولديها الحبيبين استنفذنا هزارنا الجحوشى مبكرا .. فقد صرت مستعدا للمساهمه بمجهوداتى الخارقه و خبرتى العريضه فى أعداد الطعام .. طبعا حنان تؤمن بأن الطبيخ نفس .. بالتالى لا تسمح لى بالاقتراب من أوعية الطعام لكنها أحيانا ما تدعنى أتسلى ببعض المهام كتقطيع الخضار مثلا ... شريطة أن أظل واقفا على الباب ... ولا أدخل مطبخها
هذه المره أعطتنى أداه غريبه تشبه فتاحة الزجاجات ..و طلبت منى تشريح قشر البرتقال الذى أحضرته معى .. جربت الأداه العجيبه ..و فعلا خرج قشر البرتقال فى صورة شرائح رفيعه جدا .. استغربت منها و لم أتخيل ما المقصود بهذا الأجراء تحديدا .. هل هو ألهائى عن الزن على دماغها وخلاص .. أم فعلا ستستخدم تلك الشرائح فى شىء ما .. انهيت ماطلبت و ظللت فى موقعى أراقب ما تفعله .. على أفهم شىء .. لن أطيل عليكم فى شرح مشاهداتى لها من عمليات عجيبه غريبه لا أظنها تبتعد كثيرا عن طقوس تحضير الأرواح .. لكن النتيجه كانت فعلا مبهره , فمن كيلو و نصف برتقال استطاعت أن تنتج أربعة اصناف من الطعام .. أحدهم حلو و الأخرين وجبات رئيسيه . . . باذنجان لا أدرى متى أنضجته و غطته بصوص يتميز بالمزازه الشهيه, شىء من المحشو البائت لكنه معد بمذاق لا اعرف كيف أصفه .. ألى نبيذ مجهز منزليا بالبرتقال ..له اسم فرنسى يعجز جهازى التنفسى عن نطقه صحيحا بسبب مشاكل فى جيوبى الأنفيه
أثناء الطعام الشهى بطغيان .. نتحادث متذكرين اختراعاتها السابقه .ز.. من دجاج بصوص الزيتون الأخضر .. ألى بتنجان مشوى فى الفرن مع لحم مفروم .. ألى أنواع عجيبه تخرج من كيلو لحم واحد
لن أسهب فى وصف طبيخها ( وطبعا لن أحرجها بمقارنته بطبيخى المتفوق ) لكن هنا .. أرصد ملامح السعاده الحقيقيه لتلك الأم و هى تشاهد بشرا يسعدون بأحد جوانب أدائها الأمومى الفائض الطاقه ... و أتعجب من خلق الله أولا فى قدرته على تكوين طبيعة الأمومه .. ثم أتعجب ثانيا من قدرات الأمهات
و أتسائل هنا عن هؤلاء المحرمين للأحتفال بعيد الأم .. هل تأمل أيا منهم فى ماهى الأم ؟ هل جرب أحدهم أن يحترم أما و يوقرها بل و يقدس دورها ؟ هل جرب أيا من هؤلاء المكفرين لكل ماهو أنسانى أن يفكر و لو لمره واحده فى الأم .. كأنسان ولدته أما لولاها .. و لولا تضحياتها و تفانيها .. لكان عدما من أول لحظه ؟ هل فهم ايا من هؤلاء ما فى كلمة أمومه من طاقه
رحمة الله على أمى .. و رضا الله على كل الأمهات