فى العشق و الهوى .. الأسكندريه
و ارانى فى عشقها .. طول العمر سكرانا .. و أعترف أن الأسكندريه فى وجدانى ليست فقط أرض النجاح الباهر فى العمل حين كانت أعمالى فى أوج نجاحها .. لكن الأسكندريه ايضا هى تلك البقعه الجغرافيه العبقريه التى يمكن عندها تطبيق جغرافيا الحنين بمعنى الكلمه , الجغرافيا تصنع التاريخ .. عظيم .. القاعده صحيحه .. لكن يبدو أن الأسكندريه هى الأستثناء الذى يؤكد تلك القاعده .. فتاريخ الأسكندريه كان له دور عجيب فى تشكيل جغرافيتها .. و لنعد للبدايه .. فى هذا العصر البعيد .. عصر الأسكندر الأكبر المقدونى .. هذا الفاتح العظيم الذى اسس أوسع امبراطوريه عرفها التاريخ القديم قبل أربعة قرون من الميلاد .. لكن قصة السكندريه لا تبدأ بالأسكندر قط .. تبدا قبل الأسكندر نفسه .. ألى نقطه أكثر غورا فى التاريخ .. ألى ماقبل الفلسفه .. و ماقبل حتى العقل
موقع الأسكندريه قبل اربع و عشرون قرنا من الزمان كان .. مجرد بحر مالح .. نعم .. لم تكن الأسكندريه ارضا ابدا حتى هذا الزمان القديم .. و كان على اليابسه قرية صيادين فقيره اسمها راكوده ( راكوديس ) و يقابلها و على البعد منها جزيره فى البحر تسمى فاروس مجرد ميناء بائس تقابله جزيره شبه مهجوره .. يحدهما من الشرق مستنقعات الدلتا الموحشه .. تلك المستنقعات المرتبطه فى ذهن المصريين القدماء بشرور الأله ست الذى خبأ رأس المحبوب أوزوريس فيها بعد قتله .. و على الجانب الغربى من المشهد البائس للقريه و الجزيره تمتد الصحراء الغربيه مدخل الصحراء الكبرى الأفريقيه القاحله .. و بوابة غزوات البربر الهمج .. مجرد مشهد بائس و موضع مهدد دوما و بالتالى وضع فقير جدا لتلك البقعه .. تلك كانت الجغرافيا بالتحديد
نترك المشهد الجغرافى البائس قليلا و نتطلع شمالا لمشهد تاريخى كان يعاصر ذاك البؤس على الساحل الجنوبى لمتوسط , بداية من جزيرة ساموس اليونانيه فى القرن السادس قبل الميلاد حيث ولد فيثاغورس , هذا المؤسس لعلم الرياضيات و ماسمى وقته بعلوم الحكمه و ما أطلق عليه بعدها الفلسفه , ارتحل فيثاغورس لعشرين عاما و تلقى تعليمه الرئيسى فى مصر , عاد بعدها محاولا أصلاح مجتمعه فى مواجهة طواغيت الحكم و الظلام وقتها , حاول تأسيس مدينته الفاضله فلم يجد سوى باحة منزله ليؤسس فيها مدرسه لتنوير النجباء من الشباب .. اشترط على طلابه سلامة الجسم و العقل و اسس جماعه تنتهج أسلوبا متصوفا فى الحياه .. ابتغاء الوصول ألى الحكمه و الأقتراب من الكمال .. طبيعى لم تلق تعاليمه صدى واسع فى حينه لكن افكاره انتشرت بعيد وفاته بل و تاسست عقيده كامله هى الفيثاغوريه , و بعد قرنين من الزمان اعترف مجلس الشيوخ الأيطالى بحكمته و تقرر أقامة تمثال له .. مائة عام بعد وفاة فيثاغورس وفى مقدونيا .. و تحديدا فى القرن الخامس قبل الميلاد .. نتطلع ألى اثينا .. ألى قاعة الكاهنه ديوتيما الناهله من تعاليم فيثاغورس التى وردته من تعاليم حكماء قدماء المصريين, الكاهنه و تلميذها الفذ النجيب .. سقراط هذا الحكيم المؤسس لعلم الأخلاق .. والجدليه .. و الميتافيزيقا .. الجانح للتصوف .. المبدع فى الفكر السياسى .. اتهمه البعض بالجنون و حوكم فى بلاده و أعدم بتهمة الهرطقه .. لكن تأثير أفكاره على الحضارات اللاحقه يظل بارزا ألى اقصى درجه .. فاليهوديه و المسيحيه و الأسلام كلهم بل جميعهم اتبعوا مناهج بحثه و تبنوا الكثير و الكثير من افكاره , لدرجة أن صارت معضله لكل باحث مدقق فى التاريخ العقائدى أن يحدد أى المبادىء ألهى و أيها .. سقراطى .. حتى أن الجماعه الأحمديه الأسلاميه تذهب للقول بأن سقراط كان نبيا رسولا .. علم الناس الأخلاق و بلغهم رسالة وجود خالق للكون !!! عجيب أمر هذا الرجل الذى عاش و حوكم و أعدم .. و لم يتبق من تاريخه ألا ما جاء على لسان تلميذه افلاطون
افلاطون التلميذ المخلص هو المصدر الوحيد لمعرفة افكار أستاذه العظيم .. سقراط , يعتبر البعض أن الفلسفه الغربيه كلها ما هى ألا حواشى فلسفة افلاطون !! عظيم هو هذا الرجل فيلسوفا و شاعرا و فنانا .. تاثر بمصرع معلمه و جاهد ليطبق مبادئه بعد وفاته .. ارتحل وراء حلمه العظيم فقابل طواغيت و فلاسفه .. مؤمنين و ملاحده .. دارس و حاور الفيثاغوريين ( عبدة الأرقام ) و السيراكوسيين المؤمنين بالتضحيه البشريه لأرضاء الشيطان معبودهم الرئيسى .. كان افلاطون مؤمنا بوجود اله خالق كاستاذه و ماكان تقاربه من الفيثاغورين الا لما وجده من تقارب بين فكرهم و اسلوبهم و اسلوب أستاذه سقراط العظيم فى التصوف و التأمل و الفكر .. و ايضا مؤمن بقدرة الأراده البشريه فى الخلق أذا ما اتبع البشر .. الحكمه , و لأنه كان مؤمنا مخلصا بالحوار و الجدليه فقد قبل فى مدرسته تلميذ ملحد تماما هو .. ارسطو هذا الفيلسوف العالم الذى أسهم فى كل جوانب تشكيل الفكر الغربى و من ثم الحضاره الغربيه كلها .. كاستاذه افلاطون و أستاذهما أرسطو .. حاول أرسطو تأسيس المدينه الفاضله .. ارتحل أولا ألى أكاديمية افلاطون و مكث بها عشرون عاما ينهل من علوم أستاذه , بعد وفاة افلاطون ارتحل ألى بعض الجزر لدراسة النبات و الحيوان مضيفا لما تعلمه من الفيزياء و الرياضيات و الفلسفه .. عاد بعدها رئيسا للأكاديميه المقدونيه الملكيه .و صار بالفعل معلما للملوك .. فقد درس على يديه ثلاثة تلاميذ صارو لا حقا ملوكا ..هم بطليموس و كاساندر و .. الأسكندر الأكبر
الأسكندر الأكبر المقدونى .. الفاتح العظيم .. فقط ؟ الفاتح العظيم ؟ لا يمكن اختصار هذا الرجل فى تلك الصفه فقط .. هذا الرجل تتلمذ على يد أرسطو .. و تشرب بعلوم الأقدمين المؤسسين لفلسفات و علوم الحضاره الأنسانيه كلها من حكماء المصريين ألى فيثاغورس ألى أرسطو مرورا بسقراط و أفلاطون .. قرنين من الزمان منذ عهد فيثاغورس ألى عهد الأسكندر المقدونى و فكرة المدينه لفاضله تراود الحكماء .. لم تكن المدينه موقعا جغرافيا قط .. لكنها كانت مجرد فكره .. فكره ليست على الأرض .. لنحتفظ بتلك الحقيقه جيدا حتى وقت لاحق لنفهم كيف قام السكندري بالبناء .. و كيف تحولت الفكره التاريخيه .. ألى مدينه بارعه
الأسكندر الأكبر كان على ديدن اساتذته .. مؤمن بالتعايش والحوار و قبول الآخر و حرية العقيده ألى اقصى قدر .. فرغم أيمان الأسكندر بوجود اله ظل يبحث عنه طوال رحلة حياته القصيره الشديدة الثراء .. فقد كان وزيره هو أرسطو .. الملحد تماما .. و كلاهما كان ينهل من علوم فيثاغورس و سقراط و افلاطون المؤمنين !! تعايش مثالى يقدس حياة الأنسان و يحترم أرادة البشر ألى اقصى حد .. و بينما يستغرق أرسطو بألحاده فى دراسة العلوم و الحكمه .. يبحث الأسكندر بذات منهج العلوم و الحكمه عن الأله فى آسيا الوسطى و الشام .. ثم يستقر على السجود لآمون .. اله المصريين القدماء فى معبده بواحة سيوه .. يختلف التاريخ هنا فى توقيت قرار بناء الأسكندريه .. هل تقرر قبل الأخلاص لآمون و التنصيب فرعونا لمصر ؟ أم بعدها .. لكن المؤكد أن الفكره جائت للأسكندر العظيم خلال استراحته على شاطىء القريه البائسه ركوديس و هو ينظر للجزيره المهجوره فاروس .. بين الجزيرة و اليابسه البائسين .. بحر .. مجرد بحر مالح ضحل .. و أظن الأسكندر كان كعادته مهموما بفكرة المدينه الفاضله .. تلك البقعه التى أيقن الحكماء بعد قرون من البحث و المحاوله أنها لا تقع على الأرض التى يعرفونها .. لا تقع على الأرض ؟ ياللهول .. مدينه لا توجد على الأرض .. أذا فاليابس المعروف لا يحوى المدينه الفاضله .. هنا تبزغ الفكره لا ندرى بترتيب قدرى من الأله أم بتدخل أرادة الأنسان الحكيم .. و يكون القرار .. اردمو البحر بين القريه البائسه و الجزيره المهجوره .. لتكون الأرض التى يبنى عليها الأسكندر الأكبر مدينته .. الأسكندريه .. يا للحظه الفريده .. التاريخ يتدخل للمره الأولى ليصنع الجغرافيا و ليس العكس .. بارادة الأنسان و بحكمته و قراره التاريخى .. تتغير الجغرافيا .. و تنشأ البقعه المنشوده .. ليتحول البحر ألى يابسه تحتوى الحلم , الفكره , قبل أن تحتوى المدينه .. الأسكندريه
الأسكندريه اذا يا أحبائى ليست فقط مجرد مدينه .. لكنها فكره.. حلم .. مبدأ .. نسق أخلاقى مبنى على الحكمة و الحق و الخير و الجمال .. بحث عنها الحكماء لقرون .. و حاولوا بطرقهم التقليديه المعروفه تحويل بقعه على الأرض ألى مدينه فاضله .. فشلت كل محاولاتهم .. ألى قرر تلميذهم النجيب أن يتحرر بفكره من اساليب حتى اساتذته .. و يكف عن البحث على اليابسه .. و بدلا من مجرد البحث .. يخلق اليابسه .. ليقيم عليها .. فكرته
الأسكندريه جائت بالحكمه .. هذا هو بالضبط ما حدث , لتحتوى كل شىء متحضر و متعلم و جميل .. فن و رياضيات , شعر و فيزياء , موسيقى و علوم سياسيه , ايمان و ألحاد .. الأسكندريه جاءت كوعاء , بوتقه , تصهر كل ما يدخلها من عناصر ساميه لتحولها ألى عنصر واحد متجانس .. اسمى من كل العناصر الأخرى , و من هنا.. من تلك اللحظه .. تعود الجغرافيا لتتسلم زمام الأمر .. و تبدأ الجغرافيا مره أخرى فى صناعة التاريخ
__________
بتكوينها المذكور طبعا صارت الأسكندريه بقعه جاذبه فى الأساس لكل جميل .. و لأن تأسيسها جاء فى عهد انتصار الفكر السياسى الديموقراطى المتنور الأول فى التاريخ .. فقد اجتذبت الأسكندريه المتنورين , المتقبلين للتعايش بلا نزاعات عقائديه , و لأنها كانت فى حينها خاضعه للأمه المنتصره فى ذاك الزمان .. فقد حظيت منذ تأسيسها الأول بحمايه تليق بعاصمه منتصره بالفعل , , تولى بطليموس حكمها بعد وفاة السكندر الأكبر و صار ثانى ملك من تلاميذ سقراط , اعتمد ذات المبدأ فى تعايش السكندريين الأوائل .. فالعمل و النشاط و الحياه و الحريه و العقيده مكفولين للجميع .. مادام الجميع يحترم الجميع .. فمعابد ايزيس و تانيس و رع يجاورون معابد بوسيدون و عشتاروت و سميراميس , تماثيل أبو الهول و خراطيش رمسيس و سيتى يتجاورون مع تماثيل ابولو و فينوس و افروديت .. الأغريق و المصريون و الشوام و بنى اسرائيل يتجاورون و يتعايشون و ينتجون حضاره تقدس الحياه و النجاح .. لا غرو أن تكون الأسكندريه ملجأ لكل الطوائف المستنيره المضطهده فى العالم القديم .. فيلجأ اليها الفيثاغوريين بعد اضطهادهم فى جنوب أيطاليا , و يرتحل أليها حكماء و علماء و تجار , و كما تقام منارة فاروس السكندريه أحدى عجائب الدنيا السبع كرمز للنور .. تقام المكتبه الشهيره كرمز للتنوير .. و الأسكندريه تصير مصدرا رئيسيا لكلاهما .. النور و التنوير
لا مجال هنا لسرد كل التاريخ الثرى الرائع للمدينه , لكنها كمدينه بدأت فاضله .. فصار تاريخها صراعا ملخصه محاولة المدينه الجغرافيه التى صنعها التاريخ للتمسك بفضيلتها فى وجه صراعات أغلبها مذهبى و سياسى ليس فيهم أى فضيله .. الأسكندريه تعيش الصراعات كبقعه جغرافيه تصنع التاريخ , بعد أن صنع التاريخ بقعتها التى لم تكن فى الأصل جزءا من الأرض التى يعرفها الأنسان
و كبحر متوسطيه اصيله تمارس جبروت الحضاره , فتحتوى الأضداد بنهم شديد , يقيم فيها اليهود القرائين معبدهم الأصلى , و يأتيها رسل المسيحيين الأوائل كما كانت آخر بقعه فى العالم المسيحى التى يمكن للوثنين فيها ممارسة عباداتهم القديمه بحريه تامه !!! عجبا لتلك البوتقه الساحره .. طبعا لا يستقر الحال كثيرا بفعل التاريخ .. و تدور الصراعات و تصير المآسى .. اشهرها انتحار كيلوباترا الملكه البطلميه الأخيره , و مصرع هيباثيا أبنه ثيون عالمة الرياضيات و الفلسفه الخالدة الذكر .. يدور الصراع المسيحى الأول كما دارت الصراعات الوثنيه اليهوديه على ارضها , و تراق دماء و تنتشر عقائد جديده و تندثر عقائد كامله كما حدث لآخر معاقل الفيثاغوريين على الأرض و الأرض حيث ذبحهم رهبان متعصبون فى معبدهم الغامض الكائن فى مغاره تحت الأرض فى منطقه نائيه أغلب الظن أنها منطقة كفر عبده الحاليه .. يأتى العرب فاتحين بدين جديد , تحترق المكتبه الرائعه و يحار التاريخ فى من المسؤل عن تلك الكاريثه .. تقاوم أسكندرية محمد كريم الأستعمار الغازى و يسقط الشهداء دفاعا عن أرض مصر كلها.. أمير البحار محرم بك يوقد السطول المصرى فى حرب الموره .. و يحتل الساحل المقدونى و أجزاء من يوغوسلافيا .. و تتكالب عليه اساطيل ثلاث دول لتغرقه بعد مقاومه عنيفه .. أحمد عرابى يحصن الطوابى و يقاوم الأسطول البريطانى بجيش من الفلاحين المخلصين .. و تغرق شوارع السكندريه فى دماء السكندريين .. تنطلق المظاهرات لأستقبال سعد زغلول و أناشيد السكندرى الخالد سيد درويش تهدر فى الفضاء أن بلادى بلادى لك حبى و فؤادى .. حتى يصير النشيد الذى تم تأليفه و تلحينه على قهوة البورصه بالأنفوشى نشيدا قوميا لمصر كلها .. يخرج آخر ملوك مصر و السودان منها على يخته المحروسه ألى منفاه الأخير و من ميدان المنشيه يعلن عبد الناصر تأميم قناة السويس .. تاريخ كامل صنعته الأسكندريه أم احتوته فقط ؟ .. يحار الباحث فى الأجابه فعلا .. فهل الأسكندريه هى المكان المحرض على التحرر و التحرير .. أم أن مبدأ التحرر ذاته يتجلى فى الأسكندريه .. فى عصرنا الحالى يكون نادى قضاة الأسكندريه هو الشراره الأولى فى حركة القضاه لمواجهة طغيان الحاكم الحالى .. و تكون جامعتها هى من يتخرج منها أول عالم مصرى يحصل على جائزة نوبل فى الكيمياء الدكتور أحمد زويل .. هل هو التاريخ ما يصنع مجد تلك المدينه ؟ أم أن جغرافيا تلك المدينه هى ما يصنع تاريخها ؟؟ أظنى ذكرت أن الجغرافيا عادت تمارس دورها فى صناعة التاريخ منذ ثلاثه و عشورن قرنا .. الم أذكر ذلك ؟
تغنى لها فيروز و تحتضن أول حفلات عبد الحليم حافظ , يشدو فيها النديم و تحتوى بيرم التونسى ويلحن لهما سيد درويش .. قديسين و أولياء صالحين سكنوها و عاشوا فيها ... كرامات الآباء من مرقص حتى أسناثيوس و كيرلس كانوا بطراكة الأسكندريه .. و الأولياء من ابن عطاء الله السكندرى حتى ياقوت العرش مرورا بالبوصيرى و الشاطبى و العجمى ... راديو ماركونى و سجائر كوتاريلى و نبيذ جاناكليس و ريا و سكينه .. و الكرازه المرقصيه و مقام أبى العباس المرسى و معبد القرائين اليهود .. هانو و سابا باشا اليهوديان منافسين بشرف لفرغلى باشا و عبد الجليل باشا و عادل باشا فانوس فى مجالات الصناعه و التجاره و النمو
بوتقه متوسطيه حقيقيه هى الأسكندريه .. و بجغرافيتها الفريده .. هاجر أليها الأسرائيليين لتتكون فى الأسكندريه ثانى أكبر جاليه يهوديه فى العالم قبل نكبة فلسطين .. وهاجر أليها اليونانيين و القبارصه بعد التهجير التركى لهم , و لجأ أليها الأرمن فى توقيت قريب من ذلك .. الشوام و الأيطاليين يبحثون عن الذهب الذى يتفجر من نشاطها الأقتصادى .. بورصة مينا البصل تنافس بورصة ليفربول فى تحديد اسعار القطن عالميا بأدارة عبد الجليل باشا سمره .. و بورصة الأوراق الماليه بالأسكندريه تسجل ثالث أنشط تداول فى العالم بعد بورصتى لندن و نيويورك فى الثلاثينيات وحتى العام 1940 .. تأتى منها أنتيجون كونستاندر ملكة جمال العالم للعام 1954 .. و فى الستينات يقف الشيخ المحلاوى على أحد منابرها ليعلن أن الوصول ألى القمر كذبه كافره .. و أن ما شاهده الناس على شاشات التليفزيون ماهو ألا خدعه .. و أن التليفزيون اساسا من عمل الشيطان , عادل أدهم و سيف وانلى و كامل مصطفى .. داوستاشى و ديميس روسوس و سهير زكى .. وجوه أعطت للحضاره .. و كلهم .. من الأسكندريه
صراعات تاريخيه قاومتها الأسكندريه بجغرافيتها .. فالأسكندريه صارت جنة الطبقه الوسطى أو بقاياها فى مصر بحكم تكوينها و بنائها , ليست العاصمه منذ الف عام حين تاسست القاهره على ايدى الفاطميين .. لكنها لعبت ببراعه طوال الأربعه و عشورن قرنا منذ تأسيسها دور القائد الحكيم و الملاذ الآمن للكل .. ليست العاصمه لذا فهى ليست بقسوة العاصمه .. و ليست ريفا فهى ليست بضحالة الريف .. هى ببساطه .. بحر متوسطيه فاتنه .. شبق الأيطاليات و حميمية اليونانيات .. رقة الفرنسيه و دفء الشاميه ..اصالة فراعنه و حداثة اتراك .. غموض أسرائيليين و سماحة أقباط و تصوف مسلمين و شدة أهل البحر .. فى الأسكندريه نموذج للفارق و المفارقه بين الفلاح و الملاح .. حيث يتفوق الملاح بخبراته و تفتح عقله لكل جديد , يستوعب و يحتوى و ينحاز فقط .. للحياه