السيده بثينه صاحبة المدونه الراقيه طياره ورق أو حلم ..نشرت فى مجموعه على موقع مشهور تلك الكلمات فن الرحيل
هل نحن حقا نجيد فن الرحيل ? الرحيل الإرادي .. ذلك ما أعنيه نردد دوما أننا شعب عاطفي .. أيكون هذا هو السبب في عدم القدرة علي مفارقة طرف آخر توقفت مسيرتنا معه عادة ما يكون الرحيل صاخبا مؤلما نتحول بعده لأعداء .. نشعر بغصة في الأعماق عند ذكر الطرف الآخرتطغي لحظة الرحيل الأخيرة علي كل ما عداها من لحظات سعادة سابقة هذا في أحسن الأحوال .. وأقصي ما لدينا من شياكة أما أدناها وبدون ضحكات فهو فضائح إعادة هدايا المتحابين والمخطوبين وعدد القضايا في محكمة الأسرة وعدد زجاجات ماء النار التي استخدمت أو هدد باستخدامها طرف يريد إبادة آخر مادام هناك فراق .. نحن لا نجيد فن الرحيل
_______________
و كعادتها توحى بقوه سلسه بالأفكار .. فأسلوب بثينه بوجه عام شديد المكر .. لن تعرف كيف سيطرت عليك الفكره أو كيف توغلت ألى أعماق ذهنك ألا بعد أن تنتبه لما تكابده من مشاق التفكير بسبب .. فكره طرحتها بثينه .. المهم
جاء ردى عليها فى المجموعه البريديه مقتضبا بما يتناسب مع الموقع و ذلك على النحو التالى :
صدقت يا بثينه ... نعم .. نحن لانجيد الرحيل ..كما لا نجيد الترحال .. أظن ( و ببشاعة ذهنى المعتاده ) أن المسأله تم تفسيرها لدى الراحل جمال حمدان فى تفسيره و شرحه لعبقرية مصر و المصريين
كبدايه نحن شعب متشبث بجغرافيته حتى العبوديه.. ثبات تام يصل ألى حالة السبات .. نستقر بطريقة الالتصاق التام و السكون المتحجر .. نشكو الموقع و الموضع لكننا أبدا لا نرحل .. نستمر فى الشكوى .. و لا نغير و لا ننصرف و لا نسعى فى أرض الله الواسعه .. نخضع للطغيان أو نتحول ألى طغاه يستوى الأمر .. مادمنا فى ذات الموقع و الموضع .. لا نرحل أبدا و لا نرتحل لسنا كأهل البحر مثلا .. اللبنانيين و التوانسه والأوروبيين .. دائمى الترحال و الأنتتقال و الأستكشاف و التعمير و حتى الأستعمار .. لذا .. حين يستقر المصرى فهو يدمن الشكوى بدلا من التغيير .. بينما اللبنانى حين يستقر فهو يدمن التغيير و التطوير و لا يشكو أبدا
و حين يرحل المصرى فهو يرحل باحثا عن كفيل يوفر له الرعايه و الرعويه بصفة المصرى مرعيا من ضمن القطعان بينما حين يرحل اللبنانى أو الأوروبى فهو يغامر بحثا عن فرصه يكون هو فيها الراعى .. يواجه المخاطر و يغامر و يبتكر و يغير لذا .. فأن خروج المصرى من ثباته و سباته المستقر المعتاد و شكواه المذمنه .. لا يكون أبدا ألا بالنزع .. بكل ما فى النزع من نزاع بينما خروج غير المصرى من موضعه أو موقعه.. قد يكون بالتراضى و التفاهم بل و أيضا بألأمل فى الأفضل
لله درك يا بثينه .. و هاهو موضوع جديد توحين لى به لأكتبه فى مدونتى عاجلا .. فأنا مؤخرا قد رحلت .. و بعنف شديد رغم ادعائى بأن روافدى الحضاريه تميل للمتوسطيين
____________________
طبعا بمكر أفكار بثينه الذى أشرت أليه أعلاه .. أجد الفكره متشبثه بعقلى بطريقه مخلبيه .. لا تتركنى .. فأجتر قراءات و مشاهدات .. و اضيف مشاهدات و قراءات أخرى .. حتى فى خروجى مع صديقى المثقف يوم الخميس يكون فن الرحيل .. هو محور حديث السهره .. يلتحق بنا عدد من الأصدقاء و يظل تبادل الأفكار حول .. فشل المصريين فى فن الرحيل و الترحال
المجموعه كلها قرأت جمال حمدان من قبل ..ومن واقع كتابه الرائع استراتيجية الأستعمار و التحرير و أبان شرح الراحل العظيم لفلسفة تقسيم الشعوب تاريخيا ألى فلاحين و ملاحين و رعاه ( الأسبستوس ) دار نقاشنا حول فكرة تضاد الفلاح و الملاح (1).. الفلاح المتشبث بالأرض ألى أقصى درجه .. حتى فى مواسم الجفاف .. يفلس , يجوع , يبيع أولاده .. لكنه أبدا لا يرحل بل يستمر فى معاناته وشكواه انتظارا لموسم فيضان جديد قد يأتى بعد سنوات تزيد عن الباقى من عمر الفلاح نفسه , يرضخ الفلاح للطغيان لكنه لا يرحل ..يغير الفلاح عقائده بل و لغته أيضا حسب عقيدة و لغة الغالب على الأرض و المسيطر على الجغرافيا .. لكنه لا يرحل , هذا هو ماحدث لمصر الأمه التى غيرت عقيدتها و لغتها ثلاثة مرات فى ثلاثة آلاف سنه و بأسلوب محو القديم تماما و الأغراق فى اتباع الطاغيه الجديد بدليل انقراض اللغه المصريه القديمه تماما لمدة نحو ألفى عام حتى مجىء شامبليون ..
بينما الملاح .. فحياته اليوميه تتركز فى تجواله جغرافيا بحثا عن الرزق الأوفر سواء بقع الصيد أو موانىء التجاره .. الملاح يعود دوما لأرضه و بيته نعم .. لكنه يعود على الأقل بخبرات جديده تغير و تطور حياته أن لم يكن بثروات و موارد قوه تثريه و تثرى أهله و تقويهم .. الملاح يتعلم اللغات كجزء من مهارات عمله .. فى حين لا يتخيل الفلاح أن هناك لغات أخرى فى العالم غير لغته .. الملاح يأكل أطعمه غير التى تزرع فى أرضه و يمارس عادات قد يكتسبها من الغير .. بينما الفلاح لا يتصور أن فى الأرض أنواع نباتات أخرى غير نباتاته ..
الفلاح يعود لبيته و الملاح أيضا .. لكن الفلاح يعود لبيته بنفس الأسلوب الذى خرج به فى الصباح كل يوم حتى لو عاش آلاف السنين , بنفس الأسلوب و بنفس التركيب .. و ألا .. فكيف نرى الشادوف و الساقيه اليوم فى الريف كما هم مرسومين من آلاف السنين على جدران مقابر و معابد الفراعنه , بينما الملاح يعود ألى بيته فى كل مره .. أثرى و أقوى مما خرج و لو بالخبره على الأقل أن لم يكن بالثروه
قد يفسر التصاق الفلاح بأرضه عجز مصر تماما عن زيادة الرقعه الزراعيه فيها رغم اتساع الصحراء و أمكانية توفر المياه فيها بحفر الآبار .. الفلاح ملتصق بأرضه حتى لو ضاقت عليه و على أولاده و أحفاده .. حتى لو صارت الفدادين الخمس التى امتلكها سحتا و بهتانا صارت قراريط خمسه فقط بالزياده الطبيعيه لعدد السكان .. فالفلاح لا يسعى فى الأرض ولا يهجرها ألا بحثا عن كفيل / راعى / طاغيه جديد .. فحين تضيق الفدادين الخمسه لتصبح قراريط .. يهاجر الفلاح ألى العراق تاره أو السعوديه تارات .. و يعود ليجرف فدادينه الموروثه من السحت ليبنى فوقها مبانى مبهمه كئيبه فاسدة الذوق (2).. تحمل طباع و لمسات أسياده الجدد من الخليج .. بل و يرتدى لباسهم , فيطلق لحيته و يقصر جلبابه و يستاك و يغطى زوجته و ابنته بالسواد المسمى بالنقاب .. و ينجرف ألى ما عليه طغاته الجدد دون أدنى تفكير أو تقييم
الملاح كاللبنانى يهاجر .. يسافر .. يغزو العالم بحثا عن الثروه و القوه و الخبره .. قد يعود ألى وطنه الأول .. أو .. ببساطه و عزيمه خلاقه حقيقيه .. يخلق لنفسه وطنا جديدا .. بل و يتفوق فيه .. فيبزغ نجمه فى كل مكان حتى يترشح من اللبنانيين فى المهجر لرئاسة بلاد غير لبنان ككارلوس منعم مثلا
الرعاه أيضا يرتحلون .. لكنهم لا ينظرون أبعد من قطعانهم .. يرتحلون فى موجات و يكون غزوهم أيضا كالموج .. يجرف ما أمامه كغزوات التتار و المغول .. لكن الرعاه لا يتعلمون من غزواتهم شىء يذكر و لا يتركون أثرا يذكر .. فسرعان ماتنحسر موجات غزواتهم و يعودون ألى سهولهم القديمه يتصارعون فيما بينهم .. و لا يتركوا فى الأرض أى أثر لمرورهم سوى بعض الأراضى المحترقه
بطبيعة الفلاح ايضا فهو اقرب للوقوع فى غيبيات مبهمه .. فيحمى نفسه و أولاده بخرزه زرقاء .. يطلق البخور .. يخترع لنفسه أولياء يتقرب بهم ألى الله لمجرد أن هؤلاء الأولياء كانوا يتكلموا بطريقه غريبه و يلوون ألسنتهم بكلام ليقولوا هو من عند الله و ماهو من عند الله (3) .. يعيش الفلاح و هو يحلم بالنعيم .. فى القبر فقط .. فحضارتنا القديمه يا أعزائى هى حضارة القبور و المعابد الجنائزيه .. لم يترك الفراعنه قصرا أو مصنعا .. تركوا فقط قبورا .. بل و زودوا تلك القبور بكل ما استطاعوا جمعه من ثروات ووسائل رفاهيه .. !!!و ياللعجب
بينما الملاحين تركوا قصورا و موانىء و معاصر نبيذ و مسارح و حلبات مصارعه .. كأن الملاح يعيش ليحيا حياته بينما الفلاح يعيش .. ليموت
و من هنا يمكن تلخيص حياة افلاح بأنها حالة ثبات .. يصل ألى السبات .. سبات لا ينتظر منه الفلاح سوى الموت للحصول على النعيم الموعود .. و التغيير ببساطه هو نوع من أيقاظ الفلاح من سباته الثابت .. كانتزاع أنسان من فراشه .. فماذا نتوقع أذا ما جاء التغيير على الفلاح ؟ مقاومه شديده عنيفه .. فالفلاح لم يعرف فى حياته ( التعيسه أراديا فى أغلب الأحوال ) سوى السبات .. فالاستيقاظ و الانفتاح على أفق جديد بالنسبة له هو نهاية حالة السبات التى لا يتوقع الفلاح نهايتها ألا .. بالموت
نطبق النسق المذكور على كل شىء فى حياة المصريين .. من الترحال للعمل و الثروه و حتى العلم .. ألى .. الرحيل عن الشريك .. الأنفصال .. أيا كان مسماه
المصرى فلاح بالأساس .. متشبث بثوابت جغرافيته ألى درجة الألتصاق .. سواء كانت جغرافيا الأرض أو جغرافيا المشاعر .. لذا .. يندر أن نشهد طلاقا أو حتى انفصال حبيبين دون عنف .. صخب .. عراك .. نزاع بكل ما فى معنى كلمة ( نزع ) فالمصرى ينتزع من موقعه ولا يتركه أراديا أبدا .. يتجاهل كافة القواعد و الحقوق .. يتغابى ألى أقصى درجه فى تقدير احتياجات الآخر .. يتجاهل بشتى الطرق ما يسمى .. بمتغيرات الجغرافيا .. فالجغرافيا فى وجة نظر المصرى لا تتغير ألا .. بالزلزال
بينما الملاح .. تتغير جغرافيته بمجرد اكتشافه لممر ملاحى جديد أو تطوير سفينته ليجتاز آفاقا أبعد و أرحب
تنتهى مناقشتى مع أصدقائى من وحى كلمات بثينه .. و تنتهى السهره بهزيمه مدقعه فى دورى الطاوله الأسبوعى .. لأفاجأ بأن على دفع الحساب كله بصفتى الخاسر .. أدفع صاغرا و أنا أحدث نفسى : منك لله يا بثينه
و أعود لأكتب ما قرأتموه أعلاه
هوامش
و(1) أظن قصة محمد البساطى صخب البحيره صورت بروعه الصراع الأجتماعى بين الملاحين و الفلاحين فى موقع تماس الحضارتين , فالقصه تدور فى شمال الدلتا , بين الفلاحين ساكنى القريه الزراعيه و أهل البحيره المتاخمه للقريه العاملين فى البحر , أنصح بقرائة القصه بعيد الأطلاع على كتاب جمال حمدان استراتيجية الأستعمار و التحرير .
و(2) أظن فيلم سرقات صيفيه يصور بشكل واقعى مآل الأراضى التى تم توزيعها على الفلاحين , بل و مآل أصحابها من المتعلمين أيضا
و(3) رائعة الكاتب الساخر عمرو عبد السميع مقامات عربيه .. تصف بدقه لاذعه وسخريه حاده حال الفلاحين موقفهم من الغرق فى الغيبيات و البحث عن طواغيت يحكموهم .. أنصح أيضا فقراءة هذا الكتاب